عبيد الجدد

<div class="sharethis-inline-share-buttons"></div>
 

 

 

صباح يوم 27 اذار ، كنت قد وصلت وبرفقتي مجموعة من الأصدقاء إلى مدينة (كاندي) في سريلانكا، ثم توجهنا لتلبية دعوة من إحدى المنظمات لحضور مهرجان ثقافي ، وعند دخولنا لقاعة المهرجان تفاجأنا بوجود مكان يشبه العرش مخصص ربما لملك أو رئيس أو شخصية هامة!

دفعنا الفضول لسؤال أحد المسؤولين عن هذا العرش ولماذا هو هنا؟
فأخبرنا بأنه مخصص لأشهر حكيم في شرق وجنوب آسيا ويدعى (أوشوا نماكي) والذي تجاوز عمره 115 عام!

وله أتباع ومحبين كُثر، لدرجة أن البعض قد أتى من بلدان كالصين واليابان والهند لرؤيته.

ويعد ساعة دخل

.

دفعنا الفضول لمعرفة ما الذي قد يجعل مئات الأشخاص من بلدان عدة أن يأتوا لمجرد فقط رؤية هذا الحكيم (نعم رؤيته فقط)، لأنه لم يلقي أي كلمة ولا يُسمح لأحد بالاقتراب منه أو مصافحته وتبين انه يفضل الصمت ولا يتحدث الا يوم واحد كل 3 أشهر ويعتقد هو و اتباعه ان الصمت له تاثير ايجابي على الصحة و تبين ذلك .

 

1-         البروفسور (جوزيف ماندل) يؤكد أن الصمت لمدة 30 إلى 90 يوم بشكل متواصل له تأثير قوي ومباشر في تعزيز صحة ومناعة الإنسان أكثر بكثير من تأثير الرياضة او النظام الغذائي المتوازن ويشرح ذلك بالتفصيل في كتابه (السر الأعظم للصحة).

 

2-         (مجلة هارفارد توداي) في عددها الصادر في شهر سبتمبر 2016 تؤكد ذات الشيء، بل وتضيف أن أمراض كثيرة كأمراض القلب والسكري والقرحة يمكن معالجاتها والتقليل من تأثيراتها عن طريق الصمت لمدة تتراوح من 6 إلى 10 أسابيع.

 

 

3- في كتابه (شموس الصالحين) يسرد العالم الرباني النعمان بن إدريس الأندلسي، ما يزيد عن 100 قصة لمجموعة من الصحابة والتابعين، وكيف كان الصمت دوائهم الشافي وعادتهم الدائمة، وأنهم جميعاً كانوا يتمتعون بصحة العقل والجسد، وكانت أعمارهم طويلة مقارنة بغيرهم.

4- (مجلة الأسرة والحياة الكويتية) في عددها رقم 106 الصادر في شهر مايو 2017 تؤكد في مقال علمي طويل: (أن الأشخاص الأكثر كلاماً يكونوا أقصر عمراً وأضعف مناعةً والعكس صحيح) وتم هذا البحث على أكثر من 5000 شخص في 48 دولة مختلقة حول العالم ..

وقبل أن أختم هذا المقال!
لعلي أشعر بالحماس الكبير الذي تشعر به الآن تجاه أهمية (الصمت)، وأعتقد بل أجزم أنك قد قررت الآن بوعي أو بدون وعي ببدء تجربة عادة الصمت في حياتك، لما لها من فوائد عظيمة، وأكاد أستطيع أن أستشعر رغبتك الكبيرة في نُصح وإقناع كل من حولك بأهمية الصمت وفوائده على صحة ومناعة الإنسان وإطالة عمره.

لكن مهلاً!
قبل كل ذلك وقبل أن تبدأ بتنفيذ خطتك في أن تنتهج الصمت عادة استراتيجية في حياتك، سأطلب منك طلب بسيط لن يأخذ منك إلا بضع دقائق!.

الطلب هو أن تحاول البحث عن الحكيم (أوشوا نماكي) وهل يوجد أصلاً مجلة إسمها (هارفارد توداي) أو (الأسرة والحياة الكويتية) واستمر في البحث وحاول أن تجد كتاب (شموس الصالحين) أو كتاب (السر الأعظم للصحة) ولا تنسى صديقنا البروفسور (جوزيف ماندل).

إن جميع الأدلة والأسماء والبراهين التي ذكرتها (ليس لها أي أساس من الصحة) وجميعها نابعة من مخيلتي ليس إلا...

لكن السؤال الأهم!
ما الذي قد يجعل البعض يقتنع بما ذكرت من أدلة وبراهين ومعلومات بالرغم من أنها غير صحيحة؟
هل ثقته بي!، أم قوة الطرح والأسلوب!، أم ربما الأرقام والأسماء والأدلة التي ذكرتها!، أم كل ذلك؟؟؟؟

إن خداع عقول غالبية البشر اليوم أصبح أسهل من أي وقت مضى!
ويمكنك فعل ذلك برسالة نصية واحدة عبر الواتساب، أو عن طريق صورة معينة، أو فيديو قصير واحد.
وبذلك تتمكن من جعل الناس تثور ولا تقعد، أو تقعد ولا تثور، الأمر فقط يعتمد على مزاجك أو ربما مخططاتك، فالغالبية الكاسحة من الناس يسهل خداعهم والتلاعب بهم وتضليلهم، وهؤلاء هم من أسميهم (العبيد الجدد)!

معظم البشر تتشكل حياتهم وقناعتهم واعتقاداتهم المختلفة طبقاً لما يسمعونه أو يشاهدونه أو يقرؤونه، ولا يبذلون أي جهد لمحاولة التأكد من صحة ما يتلقونه من معلومات هنا وهناك.

إن حياة الإنسان كلها تتشكل وفق ما يصله من معلومات، والتي بدورها تؤثر بشكل مباشر في تكوين قناعاته وتحديد توجهاته وتشكيل عاداته واعتقاداته، ونظرته لنفسه وللآخرين وكل تفاصيل حياته.

وهناك سؤال آخر مهم!
أين تكمن الخطورة الكبيرة للمعلومات التي تتلقاها بدون فحص أو تأكد؟

إليك بعض الأمثلة:
- جملة واحدة تقرأها، قد تجعلك تقرر قرار هام كالسفر أو العودة أو ما شابة، بالرغم أنها غير صحيحة!
- مشهد فيديو قصير قد يجعلك تقرر مواصلة التعليم أو التوقف!
- بيت شعري واحد، أو حديث نبوي غير صحيح، أو آية تُفهم بشكل خاطئ!، قد تؤدي إلى أن تُقدم روحك رخيصة في حرب ليس لك فيها لا ناقة ولا جمل!
- دراسة علمية واحدة قد تجعلك تتوقف عن أكل اللحوم أو شرب القهوة أو بدء ممارسة طقوس معينة.
- مقطع صوتي واحد أو قصة قصيرة واحدة يمكن أن تفعل بك الأفاعيل، سواءً على الصعيد الشخصي أو الأسري أو المجتمعي.

إن جميع المعلومات التي تتلقاها يجب أن تُخضع للفحص والنقد والبحث والتأكد، بغض النظر عن صاحبها أو مصدرها، بما في ذلك المعلومات التي قد تأتي من أشخاص أو مصادر تثق فيها.

لا تبيع عقلك لأحد ولا تسمح لأيٍ كان باختراق عقلك واللعب به.

إن (العقول القابلة للبيع) هي تلك العقول التي يرفض أصحابها استخدامها، وهؤلاء فقط هم الاشخاص الذين يسهل عليك خداعهم والتلاعب بهم وتجييشهم حسب ما تهوى وكيفما تريد.

كل من لا يستخدم عقله هو باختصار أحد (العبيد الجدد) الذين شعارهم "سمعنا وأطعنا" تجاه أسيادهم أو مثقفيهم أو إعلامييهم أو حتى تجاه تلك العادات والثقافات والاعتقادات والموروثات البالية لأسلافهم ومجتمعاتهم.

في كل يوم تتوقف فيه عن التساؤل والنقد والبحث والاعتراض ومحاولة التأكد، تكون بذلك قد اصبحت أكثر قرباً من هؤلاء (العبيد الجدد).

حذيفة العمقي