ماركة حذاءه

<div class="sharethis-inline-share-buttons"></div>
 

ماركة حذاءه

التقى بها عدة مرات، مندوبة إحدى المؤسسات التجارية لتقدم عروضاً للشركة التي يعمل فيها. أُعجب بذكائها وهدوئها، فطلب لقائها. وبعد حديث التعارف الشخصي عرض عليها الزواج. بدت على محياها ابتسامة خفيفة وهي تنظر خلسة إلى ماركة ساعته العادية، وحذاءه الذي يشبه حذاء والدها الطبي وقالت: ماذا لديك لتعطيني؟ تفاجأ لوهلة بسؤالها وقال: أثمن ما عندي، مستقبلي وطموحي لتكوني شريكة في صناعة جميع قراراتي. فقالت: أقدر عرضك ولكني تذوقت مرارة الفقر، وأرغب في حياة لا يبدو أنك قادر على توفيرها لي.

رغم كلماتها القاسية اعتذر بكل لطف أن طريقهما ليس مشتركاً. ثم توجها معاً إلى موقف السيارات ليستقل كلٍ منهما سيارته. تفاجأت من سيارته الفارهة التي سيركبها. فقالت له: لم لا تعطيني فرصة أخرى للتفكير؟

 لم يكن من السذاجة لكي يعلم نواياها عندما اكتشفت مستواه المادي، فأجابها بكل هدوء: آسف يا عزيزتي، أنا أبحث عمّن تشاركني حياتي وأفكاري وقناعاتي، وأنت تبحثين عن ماركة حذائي وبطاقة ائتماني. 

ظاهرة غريبة دخلت على مجتمعاتنا، وهي العلامات التجارية التي ترفع من قيمة الإنسان أو تحط من قدره. فنجد هذه الحكاية تتكرر حتى بين الزملاء في العمل واختيار الأصدقاء وبناء العلاقات. فصار أول ما ينظر له الأقران عند لقاءاتهم هي العلامة التجارية التي تحملها مقتنياتهم. فالفتاة يجب أن تحمل حقيبة ماركة معينة كي تتقبلها زميلاتها، والشاب يلبس حذاء بمواصفات معينة ليكون من ضمن الفريق الرياضي، والأم تضع طفلها في المستشفى الخاص لتزورها صديقاتها وهكذا. وكأننا نعرض أنفسنا للقبول في المجتمع بما ندفع ثمنه من جيوبنا لا من قلوبنا. 

علاقات زائفة خالية من أي مضمون إنساني وقيمي، تنسجها لنا الشركات العالمية التي هيمنت ليس على أسواقنا فحسب، بل على عقولنا وقناعاتنا. فبات من الضرورة مراجعة أسس علاقاتنا وعرضها على قائمة مشترياتنا لنرى أيهما أثمن! فإذا كانت قيمة الإنسان تساوي ثمن ما يلبسه على جسمه لا ما يحمله في رأسه، فالمحصلة يكون حذاءه أثمن من عقله.

الكاتبة : صبا العصفور