حلويات الشام

<div class="sharethis-inline-share-buttons"></div>
 

قصة مؤثرة جداً...

رغم مرور أكثر من أربعين عاماً على تلك الحادثة الا أنني ما زلتُ أتذكرُ تفاصيلها وأتذكرُ وجه ذلك الرجل وابنه!!

عندما أُعلنت نتائج الشهادة الإعدادية في الجرائد الرسمية وشاهدتُ اسمي في الجريدة كانت فرحتي بالإسم أكثر من فرحتي من مجموع العلامات رغم أنها كانت ممتازة في ذلك الزمان ..!!

في اليوم التالي للنتائج قررتُ السفر من السويداء الى دمشق كان في جيبي ستة ليرات ورق دفعت منها اجرة الباص ليرة وبقي معي خمس ليرات وكنتُ قد قررتُ أن أشتري حلوياتٍ من دمشق وخاصة الكعك الشامي!!

 

توجهت الى باب الجابي ودخلتُ الى محل حلوياتٍ وطلبت من صاحب المحل الذي كان يجلس ابنه الصغير بجانبه كيلو كعك وكيلو برازق وكيلو غْرَيْبة ولكن عندما مددتُ يدي الى جيبي لم أعثر على الخمس دنانير الورقية ..!!

وبدى الحزنُ واضحاً علي واعتذرتُ من التاجر وقلتُ :

- سأعود لاحقاً لأخذ ما طلبته.

نظر التاجر الي مبتسماً وقال :

- هل نسيتَ المال في البيت ؟

قلتُ :

- أعتقدُ أنني أضعت المبلغَ فقد كان في جيبي خمس دنانير ورق!!

قال :

- أين تسكن ؟

قلت :

- في السويداء يا سيدي!!

- اجلس يابني وارتح قليلاً!!

ثم صبَّ لي كأساً من عصير العنب وقال :

- تفضل واشرب مع ابني!!

جمع التاجرُ ما وَزَنهُ من كعكٍ وبرازق وغريبة في كيس ورقي وقال :

- خذ هذا الكيس وفي المرة القادمة تسدد ثمن ما اشتريت!!

قلتُ :

- يا سيدي قد لا أعود الى دمشق الا بعد فترة طويلة وأعتذر لأني لا أستطيع الاستدانة من أحد...

قال :

- أنا متأكدٌ يا بني أنك ستعود وستسدد ثمن البضاعة!!

وأصرَّ عليَّ أن أحمل البضاعة!!

أخذت الحلويات وكلي خجلٌ من هذا الموقف وودعته وابنه وغادرتُ المحل وبعد أن مشيتُ عدة خطوات على الطريق واذا بابن التاجر ينادي علي!!

توقفتُ ..فقال :

- لقد وجد والدي الخمس دنانير العائدةَ لك في أرض المحل يبدو أنها وقعت منك

وقد خصمَ منها ثمن الحلويات وهذا الباقي!!!

كانت فرحتي كبيرة لأني لم أحمل هم دينٍ في رقبتي!!

شكرتُ الطفل وأرسلتُ شكري معه لوالده ووضعتُ المبلغ في جيبي!!

عندما وصلتُ الى البيت في دورا فتشتُ في جيوب البنطال الذي ألبسه فوجدتُ الخمسَ دنانير في الجيبة الخلفية!!

 

أخبرتُ والدي بما حدث فابتسمَ وقال :

- يا بُنَي هؤلاء تجار الشام وتجار حلب هم تجار أباً عن جد وهم يحملون كل معاني الانسانية ولكن عليك أن تعيد الخمس دنانير له فهي دينٌ في رقبتك وستأخذُ معك خبزا ملوحا من عمل والدتك هدية له وتدعوه لزيارتنا.

في الأسبوع الثاني حملتُ معي ( الخبز ) وخمس دنانير وعندما رآني من بعيد ابتسمَ وقال :

- ألم أقلْ لكَ أنك ستعود خذ معك كيلو هريسة وسلّم على أهل السويدا..!!

وما زال وجه ذلك التاجرُ وابنه يمرُّ أمامي كلَّ فترة عندما أقارن بين تجار الأمس وتجار اليوم

منقول